فصل: السؤال الثاني: ما المراد بهذه الفوقية؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال: لم لم يقل: زينت؟

الجواب: إنما لم يقل: زينت لوجوه أحدها: وهو قول الفراء: أن الحياة والإحياء واحد، فإن أنث فعلى اللفظ، وإن ذكر فعلى المعنى كقوله: {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ} [البقرة: 275]، {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67] وثانيها: وهو قول الزجاج أن تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأنه ليس حيوانًا بإزائه ذكر، مثل امرأة ورجل، وناقة وجمل، بل معنى الحياة والعيش والبقاء واحد فكأنه قال: زين للذين كفروا الحياة الدنيا والبقاء وثالثها: وهو قول ابن الأنباري: إنما لم يقل: زينت، لأنه فصل بين زين وبين الحياة الدنيا، بقوله: {لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} وإذا فصل بين فعل المؤنث وبين الاسم بفاصل، حسن تذكير الفعل، لأن الفاصل يغني عن تاء التأنيث. اهـ.

.سؤال: لم خُص التزيين بهم؟

الجواب: خُص التزيين بهم، إذ المراد من قوله: {زين للذين كفروا} ذمُّهم والتحذير من خلقهم، ولهذا لزم حمل التزيين على تزييين يعد ذمًا، فلزم أن يكون المراد منه تزيينًا مشوبًا بما يجعل تلك الزينة مذمة، وإلاّ فإن أصل تزيين الحياة الدنيا المقتضي للرغبة فيما هو زينُ أمرٍ ليس بمذموم إذا روعى فيه ما أوصى الله برعيه قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
وقد استقريْتُ مواقع التزيين المذموم فحصرتها في ثلاثة أنواع: الأول ما ليس بزين أصلًا لا ذاتًا ولا صفة، لأن جميعه ذم وأذى ولكنه زين للناس بأوهام وخواطر شيطانية وتخييلات شعرية كالخمر.
الثاني ما هو زين حقيقة لكن له عواقب تجعله ضرًا وأذى كالزنا.
الثالث ما هو زين لكنه يحف به ما يصيره ذميمًا كنجدة الظالم وقد حضر لي التمثيل لثلاثتها بقول طرفة:
ولولا ثلاثٌ هُنَّ من عيشة الفتى ** وجَدِّك لم أَحْفَلْ متى قام عُوَّدِي

فمنهن سَبْقي العاذِلاَت بشَربة ** كُمَيْتتٍ متى ما تُعْلَ بالماءِ تُزْبِدِ

وتقصيرُ يوم الدَّجْننِ والدَّجْنُ مُعْجِبٌ ** بَبْهكَنَةٍ تحتَ الخِبَاءِ المُعَمَّد

وكَرِّي إذا نادَى المضافُ مُجَنَّبًا ** كَسِيدِ الغَضَا نَبَّهْتَه المُتَوَرِّدِ

اهـ.

.سؤال: فإن قلت: كيفما كان حظ المؤمنين من كثرة التقوى وقلتها إنهم فوق الذين كفروا يوم القيامة بالإيمان والمقام مقام التنويه بفضل المؤمنين فكان الأحق بالذكر هنا وصف {الذين آمنوا}:

قلت: وأما بيان مزية التقوى الذي ذكرته فله مناسبات أخرى.
قلت في الآية تعريض بأن غير المتقين لا تظهر مزيتهم يوم القيامة وإنما تظهر بعد ذلك، لأن يوم القيامة هو مبدأ أيام الجزاء فغير المتقين لا تظهر لهم التفوق يومئذٍ، ولا يدركه الكفار بالحس قال تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} [البقرة: 24] نعم تظهر مزيتهم بعد انقضاء ما قُدِّر لهم من العذاب على الذنوب. اهـ.

.أسئلة وأجوبة للفخر:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} ففيه سؤالات:

.السؤال الأول: لم قال: {مّنَ الذين آمَنُواْ} ثم قال: {والذين اتقوا}؟

الجواب: ليظهر به أن السعادة الكبرى لا تحصل إلا للمؤمن التقي، وليكون بعثًا للمؤمنين على التقوى.

.السؤال الثاني: ما المراد بهذه الفوقية؟

الجواب: فيه وجوه أحدها: أن يكون المراد بالفوقية الفوقية بالمكان، لأن المؤمنين يكونون في عليين من السماء والكافرين يكونون في سجين من الأرض وثانيها: يحتمل أن يكون المراد بالفوقية الفوقية في الكرامة والدرجة.
فإن قيل: إنما يقال: فلان فوق فلان في الكرامة، إذا كان كل واحد منهما في الكرامة ثم يكون أحدهما أزيد حالًا من الآخر في تلك الكرامة، والكافر ليس له شيء من الكرامة فكيف يقال: المؤمن فوقه في الكرامة.
قلنا: المراد أنهم كانوا فوقهم في سعادات الدنيا ثم في الآخرة ينقلب الأمر، فالله تعالى يعطي المؤمن من سعادات الآخرة ما يكون فوق السعادات الدنيوية التي كانت حاصلة للكافرين، وثالثها: أن يكون المراد: أنهم فوقهم في الحجة يوم القيامة، وذلك لأن شبهات الكفار ربما كانت تقع في قلوب المؤمنين، ثم إنهم كانوا يردونها عن قلوبهم بمدد توفيق الله تعالى، وأما يوم القيامة فلا يبقى شيء من ذلك، بل تزول الشبهات، ولا تؤثر وساوس الشيطان، كما قال تعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29] إِلَى قَوله: {فاليوم الذين آمَنُوا} [المطففين: 34] الآية ورابعها: أن سخرية المؤمنين بالكفار يوم القيامة فوق سخرية الكافرين بالمؤمنين في الدنيا لأن سخرية الكافر بالمؤمن باطلة، وهي مع بطلانها منقضية، وسخرية المؤمن بالكافر في الآخرة حقة ومع حقيتها هي دائمة باقية.

.السؤال الثالث: هل تدل الآية على القطع بوعيد الفساد؟

فإن لقائل أن يقول: إنه تعالى خص الذين اتقوا بهذه الفوقية فالذين لا يكونون موصوفين بالتقوى وجب أن لا تحصل لهم هذه الفوقية وإن لم تحصل هذه الفوقية كانوا من أهل النار.
الجواب: هذا تمسك بالمفهوم، فلا يكون أقوى في الدلالة من العمومات التي بينا أنها مخصوصة بدلائل العفو. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: قد قال تعالى في صفة المتقين وما يصل إليهم: {عَطَاء حِسَابًا} [النبأ: 36] أليس ذلك كالمناقض لما في هذه الآية؟

قلنا: أما من حمل قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} على التفضل، وحمل قوله: {عَطَاء حِسَابًا} على المستحق بحسب الوعد على ما هو قولنا، أو بحسب الاستحقاق على ما هو قول المعتزلة، فالسؤال ساقط، وأما من حمل قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} على سائر الوجوه، فله أن يقول: إن ذلك العطاء إذا كان يتشابه في الأوقات ويتماثل، صح من هذا الوجه أن يوصف بكونه عطاء حسابًا، ولا ينقضه ما ذكرناه في معنى قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ}. اهـ.
وأجاب الماوردى عن هذا السؤال بستة أوجه:
أحدها: أن النقصان بغير حساب، والجزاء بالحساب.
والثاني: بغير حساب لسعة ملكه الذي لا يفنى بالعطاء، لا يقدر بالحساب.
والثالث: إن كفايتهم بغير حساب ولا تضييق.
والرابع: دائم لا يتناهى فيصير محسوبًا، وهذا قول الحسن.
والخامس: أن الرزق في الدنيا بغير حساب، لأنه يعم به المؤمن والكافر فلا يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا الكافر على قدر كفره.
والسادس: أنه يرزق المؤمنين في الآخرة وأنه لا يحاسبهم عليه ولا يَمُنُ عليهم به. اهـ.

.سؤال: لم أعاد ذكرهم بلفظ: من يشاء؟

الجواب: أعاد ذكرهم بلفظ: من يشاء، تنبيهًا على إرادته لهم، ومحبته إياهم، واختصاصهم به، إذ لو قال: والله يرزقهم بغير حساب، لفات هذا المعنى من ذكر المشيئة التي هي الإرادة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها {ويسخرون من الذين آمنوا} في طلبهم الآخرة. قال: ابن جرير لا أحسبه إلا عن عكرمة قال: قالوا: لو كان محمد نبيًا لاتبعه ساداتنا وأشرافنا، والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} قال: هي همهم وسدمهم وطلبتهم ونيتهم {ويسخرون من الذين آمنوا} ويقولون: ما هم على شيء، استهزاء وسخرية {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة} هناكم التفاضل.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة {والذين اتقوا فوقهم} قال: فوقهم في الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية: {والله يرزق من يشاء بغير حساب} فقال: تفسيرها ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {بغير حساب} قال: لا يحاسب الرب.
وأخرج ميمون بن مهران بغير حساب قال: غدقًا.
وأخرج عن الربيع بن أنس بغير حساب قال: لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده، إن الله لا ينقص ما عنده. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {أخذته العزة بالإثم} ذكر لفظ الإثم بعد قوله العزة يسمى عند علماء البديع بالتتميم لأنه قد يتوهم أن المراد عزة المدح والثناء فذكر {بالإثم} ليشير على أنها عزة مذمومة.
2- {ولبئس المهاد} هذا من باب التهكم أي جعلت له جهنم غطاء وفراشا تكريما له، كما تكرم الأم ولدها بالفراش اللبن.
3- {هل ينظرون} استفهام إنكاري في معنى النفي بدليل مجيء إلا بعدها أي ما ينتظرون.
4- {في ظلل من الغمام} التنكير للتهويل، فهي في غاية الهول لما لها من الكثافة التي تغم على الرائي ما فيها وقوله: وقضي الأمر هو عطف على المضارع يأتيهم الله وإنما عدل إلى صيغة الماضي، للدلالة على تحققه فكأنه قد كان.
5- {فإن الله شديد العقاب} إظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة.
6- {زين} {ويسخرون} أورد التزيين بصيغة الماضى لكونه مفروغًا منه مركوزًا في طبيعتهم، وعطف عليه بالفعل المضارع ويسخرون للدلالة على استمرار السخرية منهم، لأن صيغة المضارع تفيد الدوام والاستمرار. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}.
قوله تعالى: {زُيِّنَ} إنَّما لم تلحق الفعل علامة تأنيثٍ لوجوهٍ:
أحدها: قال الفرَّاء: لأنَّ الحياة والإحياء واحدٌ، فإن أُنِّثَ، فعلى اللَّفظ، وبها قرأ ابن أبي عبلة، وإن ذُكِّر، فعلى المعنى؛ كقوله: {مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ} [البقرة: 275] {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67].
وثانيها: قال الزَّجَّاج: إنَّ تأنيث الحياة ليس بحقيقي؛ لأنَّ معنى الحياة والعيشِ والبقاء واحدٌ، فكأنه قال: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا البَقَاءُ.
وثالثها: قال ابن الأنباري: إنما لم يقل زيِّنت؛ لأنه فصل بين {زُيِّنَ} وبين الحياة الدنيا بقوله: {للذين كَفَرُوا}، وإذا فصل بين فعل المؤنث، وبين الاسم بفاصلٍ حَسُنَ تذكير الفعل؛ لأنَّ الفاصل يغني عن تاء التأنيث، وقرأ مجاهد وأبو حيوة: {زَيَّنَ} مبنيًا للفاعل، و{الحياةَ} مفعول، والفاعل هو الله تعالى عند الأكثرين، وعند الزجاج والمعتزلة يقولون: إنه الشيطان.
وقوله: {يَسْخَرُون} يحتمل أن يكون من باب عطف الجلمة الفعلية على الجملة الفعلية، لا من باب عطف الفعل وحده على فعل آخر، فيكون من عطف المفردات؛ لعدم اتِّحاد الزمان.
ويحتمل أن يكون {يَسْخَرُون} خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: وهم يسخرون، فيكون مستأنفًا، وهو من عطف الجملة الاسمية على الفعلية.
وجيء بقوله: {زُيِّن} ماضيًا؛ دلالةً على أنَّ ذلك قد وقع، وفرغ منه، وبقوله: {وَيَسْخَرُونَ} مضارعًا؛ دلالة على التَّجَدُّد، والحدوث.
قوله: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ} مبتدأ وخبر، و{فَوْقَ} هنا تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون ظرف مكانٍ على حقيقتها؛ لأنَّ المتقين في أعلى علِّيِّين، والكافرين في أسفل السَّافلين.
والثاني: أن تكون الفوقية مجازًا: إمَّا بالسنبة إلى نعيم المؤمنين في الآخرة، ونعيم الكافرين في الدنيا.
وإمّا أنّ حجة المؤمنين في القيامة فوق حجَّة الكافرين، وإمَّا أن سخرية الؤمنين لهم في الآخرة، فوق سخرية الكفار لهم في الدنيا.
و{يوم} منصوبٌ بالاستقرار الذي تعلَّق به {فَوْقهُمْ} وقوله: {مِنَ الذين آمَنُواْ} ثم قال: {والذين اتقوا} لتبيين أنَّ السعادة الكبرى لا تحصل إلاَّ للمؤمن التَّقيّ.
قوله تعالى: {والله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ} مفعول {يَشَاءُ} محذوف، أي: من يشاء أن يزرقه، و{بِغيرِ حِسَابٍ} هذا الجارُّ فيه وجهان:
أحدهما: أنه زائدٌ.
والثاني: أنه غير زائدٍ، فعلى الأول لا تعلُّق له بشيءٍ، وعلى الثاني هو متعلِّق بمحذوفٍ، فأما وجه الزيادة: فهو أنه تقدَّمه ثلاثة أشياء في قوله: {والله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ} الفعل والفاعل والمفعول، وهو صالحٌ لأن يتعلَّق من جهة المعنى بكلِّ واحدٍ منها، فإذا تعلَّق بالفعل كان من صفات الأفعال، تقديره: والله يرزق رزقًا غير حساب، أي: غير ذي حساب، أي: أنه لا يحسب ولا يحصى لكثرته، فيكون في محلِّ نصبٍ على أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، والباء زائدةٌ.
وإذا تعلَّق بالفاعل، كان من صفات الفاعلين، والتقدير: والله يرزق غير محاسب بل متفضلًا، أو غير حاسبٍ، أي: عادٍّ.
ف {حساب} واقعٌ موقع اسم فاعل من حاسب، أو من حَسَبَن ويجوز أن يكون المصدر واقعًا موقع اسم مفعولٍ من حاسب، أي: الله يرزق غير محاسبٍ أي: لا يحاسبه أحدٌ على ما يعطي، فيكون المصدر في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل، والباء فيه مزيدةً.
وإذا تعلَّق بالمفعول، كان من صفاته أيضًا، والتقدير: والله يرزق من يشاء غير محاسب، أو غير محسوب عليه، أي: لا يعدُّ.
فيكون المصدر أيضًا واقعًا موقع اسم مفعول من حاسب أو حسب، أو يكون على حذف مضاف، أي: غير ذي حساب، أي: محاسبة، فالمصدر واقع موقع الحال والباء- أيضًا- زائدة فيه، ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى أنه يرزق من حيث لا يحتسب، أي: من حيث لا يظنُّ أن يأتيه الرزق، والتقدير: يرزقه غير محتسب ذلك، أي: غير ظانٍّ له، فهو حال أيضًا، ومثله في المعنى {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3].
وكون الباء تزاد في الحال ذكروا لذلك شرطًا- على خلافٍ في جواز ذلك في الأصل- وهو أن تكون الحال منفيَّةٌ، كقوله: الوافر:
فَمَا رَجَعَتْ بِخَائِبَةٍ رَكَابٌ ** حَكِيمٌ بْنُ المُسَيِّبِ مُنْتَهَاهَا

وهذه الحال- كما رأيت- غير منفيةٍ، فالمنع من الزيادة فيها أولى.
وأمَّا وجه عدم الزيادة، فهو أن تجعل الباء للحال والمصاحبة، وصلاحية وصف الأشياء الثلاثة- إني الفعل، والفاعل، والمفعول- بقوله: {بغير حساب} باقية أيضًا، كما تقدَّم في القول بزيادتها.
والمراد بالمصدر المحاسبة، أو العدُّ والإحصاء، أي: يرزق من يشاء، ولا حساب على لارزق، أو ولا حساب للرازق، أو ولا حساب على المرزوق، وهذا أولى؛ لما فيه من عدم الزيادة، التي الأصل عدمها، ولما فيه من تبعيةَّة المصدر على حاله، غير واقعٍ موقع اسم فاعل، أو اسم مفعولٍ، ولما فيه من عدم تقدير مضافٍ بعد {غير} أي: غير ذي حساب.
فإذًا هذا الجارُّ، والمجرور متعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ لوقوعه حالًا من أيِّ الثلاثة المتقدِّمة شئت؛ كَما تقدَّم تقريره، أي: ملتبسًا بغير حساب. اهـ. باختصار.